#أدب_العزلة
إليك يا أمي البريئة
المتسامية بأخلاق الكرام الذين لم تكن لي رغبة واضحة في أن أكون منهم ..أو معهم
أمـا بعد ..
لقد قمت بتشريف نفسي أماه، معجبًا بهذا المتحف الذي يحوي علي ، فكل مارصّ فيه قد بجل تماما، كبريائي وخواتم الحجر الكريم وحتى اللوحات المترامية في كل مكان تحمل وجهي في وضعية تناقض الأخرى
و .. دفاتري الشعرية في وصف مئة امرأة عريقة ومريضة .. صبية وثرية قد مرت علي
ومع ذلك فأنا مستطيع بحق تحمل نرجسيتي والجهاد في فهم أغوارك المنيعة إذ لطالما راودتك نفسك بتلك الأماني الصغيرات حول حملان مكررة تحوم حولك تظنين بأنهم أحفادك ، وكأنك تجرحين القلب الوحيد الذي هام بدلالك
تلك الغرفة المنزوية في آخر المنزل ، هي بسملة حياتي التي تمحورت بها حولي وتبلورت أفكاري الإجتماعية بعيدًا عن أعين لونت من كل وراثة خلقة وطبعًا عدا عينيك اليائستين .. مني ! كنت لوحتك التراجيدية
أتذكرين ؟ هكذا أطلق أبي النكات على تمعنك في بابي المنغلق ..
لا أخفيك أني وحتى ظل اللحظة المتجلية كنت أتساءل عن شغفك العنيف في إشراك إنسان حضاري من الجنس الاخر لحياتي العازبة ليضيف بدوره أناسًا آخرين كالحملان الذين تحلمين بهم في يقظتك بسخاء وكأن واحدًا مني أماه لايكفي!
لايكفي!
لست غاضبًا منك ولكن لطالما قلت لك بلغة الصمت أن تكفي عن ألاعيبك في الحفر الوردية لجعلي أقع في شراك أنثى من ذوقك الرفيع لأطلب يدها للزواج والجحيم!
آه أمي المشاغبة
إني أشتاق لوجهك العابس في كل مرة لا أزورك فيها
وأكف عن الشوق كلما اخترت وطء شارعنا بدلاً من المكوث في شقتي البعيدة
إنّ في رسالتي رائحة من سجائر والدي الميت ، لم أدخن منذ مدة طويلة لقد وددت أن يكون بجانبك وأنت تتهجئين علتي ، ليخفف عني امتعاضك
أيتها الغزالة أمي
ليتني أضفي لبصيرتك بعض من الجنان الذي حزت عليه في معزلي ، فلا تشتكي في تربيتك لي .. لم أكن شاباً مثليًا قط أو صائمًا عن النساء أو روحانيًا بحق ! كما توسوس لك جارتنا البدينة التي كنت قد رفضت منها ثلاثًا من بناتها البجيحات وارثات الإشاعات إنها تجري بدمهن بدلاً من الدم الحار الذي يغلي في وجهي كلما ظهرن بكل وقاحة في وجهي، عذرًا أمي على هذه اللغة الرخيصة لقد كنت في غياب علمك أميل للسمراوات ذوات الشعر الكستنائي لأنهن يلمعن كلما انتحت ستارة لترضي فضول شمس النهار على ترابية منظرهن المثير ، كما أنهن يمتزن بمزاج حاد لايوجد في برودة البيضاوات الفارعات اللواتي تفضلينهن، إنهن يؤمن بالحب العذري حين لا أتعدى على جمالهن المحيّر .. ويؤمنّ بالشيطنة حينما أبدو بمزاج معكر لكني لم أحتفظ بواحدة منهن قط ، لأنهن في الليل يعدن كما تكون جميع النساء ، واحدات تافهات متشكيات يعتقدن في الرجل حيلتهن وأنا ذكي جداً على أن أعلق في امرأة واحدة طيلة اسبوع أو أقل!
أماه
أماه
لاتدعي الله في أوج قراءتك لي ، فهو منصف لي
فعندما أجوب معزلي عريانًا من الديموقراطية والملابس الغير ناعمة ، أشعر بالحرية
في كل يوم استيقظ فيه بكسل أنثوي لأجد جسدي العريض المشعر مستلق يثقل على أريكة الصوفا أمام لوحتي المتسمرة لأقول لها صباح الخير في الساعة الثالثة فجرًا وأشعر أنها ترد علي بتحضر نبيل لم يعتقده الصعلوك الذي رسمها منها كان هذا بفضلي ، لقد جعلت منها لوحة محترمة !
ليست اللوحة فقط من يشاركني الوئام ، لقد جلبت الفن كله في شقتي !
إنني أولي أهمية كبرى لخبرتي الحسيّة ، كان عليك أن تحترمي هذا أمي حينما
صرختِ في وجهي الأبيض الملائكي وقد بللت فراشي من الخوف لم يكن فيلم الرعب الرهيب هو السبب بل غضبك الصارم الذي أفسد سهرتي ، إنّ ذكريات سنّ السابعة لَبغيضة بعض الشيء ، كنت سأفضل سنّ التاسعة حينما اعتدتم علي جيدًّا ، ماعدتم تزعجونني بالاهتمام المبالغ فيه ، شكرًا لتفهمكم المتأخر
ماما الجميلة الأكثر جمالاً من الذكاء المطلوب
في مكتبتي العريضة كتب بلغت من الأفق مايحطم سقف الغرفة كبرج منفذه السماء ولايتواضع للأرض وماعليها من شخوص ، ورغم هذا الانقسام إلا أنك صعبة المنال ولن تثير بالطبع اهتمامك
كما أن لدي اسطوانات لن تحتمل سماعها أي زوجة طيلة أي يوم منكود لأنني عندما أكون في مزاج اضطراري أظل أدور مع إبرتها كما لو أنني راقص باليه سيء
في شقتي المعبودة باب سري لذهني الذي امتلأ بعصارة جنتها وحدته الشهية ، نبيذ العزلة! سكران يا أمي
أتوسل إليك أماه
فلترقصي التانغو مع والدي الذي لم يعد بجوارك ، فإن أغنية روكسان تصدح في المكان حيال كتابتي المنتفضة لك ، هل ترقص أصابعي جيدًّا على وقع قلبك أمّاه؟
إن في معزلي أفكار عصفها الذهني صرير الباب ومضغ الطعام ورقصي اللاتيني وقد استنتجت منها شيئًا بخصوصنا أمي .. بخصوص هذا الإنسان !
الإنسان المنهمك في نفسه الذائق من خيراتها
هناك مفهومان من فص واحد ، مفهوم بأيديكم أنتم الاجتماعيون المختلطة عروقكم برائحة بعض .. ومفهوم آخر قد عاملته كحجر أساس على بلاط العلاقات وهو أن المفهوم السرمدي عنا ليس أساسا مثبتًا ما لم تتشربه فطرتنا ، عملية تلقائية إذ ماكانت تلك الفضيلة بك أم أنك فقير تود زراعتها ، ما إن كانت أرضك خصبة أو قاحل !
وأنا لم تجذبني الواجهة الاجتماعية التي كان أبي يستميتها على حسابنا!
أماه الطاهية الماهرة
التي أطعمت فم ألف بطن جائعة زارت منزلنا القديم
إنني وسيم ثري بتول القلب قد ورث عشق البهارات من يدك ، عريس كامل عروستي - عزلة
وأنت حماة سيئة لها ، وسأقف معك بكامل بدلتي ولكني لا أساندك ..
العزلة ليست شقة واحدة أمي بل سفر ورحيل بنفس واحدة ، حقيبتك ونفسك ، دخانك ونفسك .. نظارتك ونفسك ، متاعك ونفسك ..
تنقلات من فندق لآخر دون مشاركة ، من جورب طويل إلى جورب قصير دون أن تضيع أي مجموعة ألوان قد صنفتها بفعل إنسان ناهب للجوارب كما كان يفعل أخي الهمجي البار بك في غيابي ..
إن في العزلة آلام تخف تطلعاتها نحو الحلول ، فيها من التعايش المنتشي وافتقارك له هو الذي حرمك من نسيان أبي الذي أتذكره لاجلك فقط
لو كان لدي أحفادٌ من الجنس البشري لربيتهم برقي النبلاء وحقيقة طرزانية مفعمة بحقيقة البشر بدون مجاملاتهم وفكاهاتهم السميّة في كبح خوالجهم ليطغى هذا الوضوح المسخ بمسحة الغموض ..
من العار أن يشار بأحدهم بشرف الغموض فقط لأننا لم نجد مخابئه بينما هو كتلة جبن تختبئ خلف حقيقته مستغلاً خيالاتنا نحوه، لست ضد أخي لا أكره أخي غير الشقيق أماه مهما كان قد سرق من جواربي وافتعل لي غمّة الصغر ..
لم أتجرد من إنسانيتي بعد ، لدي من كل بلد أخ أساعده إن اعترض طريقي ببراءة ، أنا أفهم البراءة جيدًّا فهي تشبهني في كل حالاتي عدا التي أطلب فيها مساعدة من أحد ، فأنا أفتقرها وزاهد فيها فليرحمني الله !
إنني باحث يا أمي ولا أصل أبدًا ، وها قد بدأت مسيرتي في البحث عن الموت ..
كفي عن النحيب عند قبري لاتفسدي علي سماع أغنية الخلود
لقد حققت أمنية واحدة في قلبك الذي لم يخو أبدًا من الأمنيات التي ليست بيدي ، لم أعاشر قومك في الحياة والآن ها أنا بلا خوف أخوض مجتمعهم في الموت كأخوان متعثرون بحوادث السيارات والغرق والقتل والمرض وسوء القدر ، لقد علمت منذ البداية بفسادهم المقصود وغير المقصود .. ولكن المفهوم الآخر كان أننا في المنفى ضحية تقبض الحياة قلوبنا لتودعها لكم ويسرق الموت اجسادنا هنا ، في عزلة عميقة الآجل
كفي عن النحيب ، لا أريد أن أبدو نكدًا في أول يوم للموت
لقد عودتك على ألا أعود ..
ابنك المسرطن
*استمع إلى El Tango de roxanne-Moulin Rouge
منال عياد
تغرقين أفكارك الجميلة حين تكتبين بالتورية والعطور , تعلمي كيف تلسع النحلة وتصنع العسل في آن .
ردحذفأنتم المدرسة أنس 🌹
حذفسرد رائع جدا، كنت أشعر بروح حية في كل الكلمات، نصّ ينفتح على الذات في أعمق أعماقها، يُحرر الذات، ويُعري الذات الجمعية من أمجادها!
ردحذفعظيمٌ ما كتبت!
الحبيب سالم المشهور
حذفتشرفت بهذا الحضور الباذخ 🌷
النظرة الإستقرائية: نص قيم بمحتواه ولغته السردية البديعة، ومفرداته البسيطة وبما تحمله من رسائل وما تولده من أفكار ومشاعر.
ردحذفحلم القاريء أن يجد ذلك الكاتب الذي يترك لخياله الفرصة لتجميع الضوء على المسرح وهو يتنقل بين فقرات النص باحثا عن ضالته قبل أن تقذف به أمواج الكاتب على شاطيء الدهشة وهكذا أنت كاتبتنا الماهرة..
دمت بألق دائم..🌹🌹
ما أعظم القارئ المختص ، حتمًا تفوق على كاتبه ♥️
حذفيا عزيزتي .. قرأت النص للمرة الثانية وللمرة الاولى بتأني .. وهذه المرة بدون ألم أسنان ولكني تلمست بعض الألم في ثنايا النص .. لقد امدني النص باحساس عميق من الرجاء الحنون ..
ردحذفشكرا عيسى على إيمانك العظيم 🙏🏽♥️
حذفآنسة منال لكِ جزيل الشُكر على هذا المحتوى والسرد الذي ألَمَّ بي من ناحية لغة الصمت إلى وصفك الدقيق للعزلة ومزاياها.
ردحذفالشكر لهذا العمق ♥️
حذفمبدعه في كتاباتك موفقه دائماً
ردحذفوإياك يارب 🤍
حذفجميل يا منال ولكِ كل الشكر . خيال بحّار تائه في وسط المحيط بِسفينه مثقوبة حلمه اليابسة.
ردحذفو ها قد بدأت مسيرتي في البحث عن الموت
أمدكي اللّٰه بكل أمانيك
وإياك أيها الرقي 🌹
حذفموفقة منال بما كتبتِ من حروف تنهل بالاحساس والجمال
ردحذفوإياك يارب ، شكرا لك 🌹
حذفكم انا سعيد ويشرفني ان أقراء كل ماتتمحور به حروفك وكلماتك وأرى كيف لكِ ان تكوني دقيقة الوصف هكذا انا اشكرك وأشكر من ألهمك الكتابة
ردحذفشكرا لاني صادفت كلماتك ووصوف حروفك فهكذا ؤقت أشكرك.
سيدة منال عياد اتمنى لك كل ماهو رائع وشكرا كثيرا
كثير هذا الثناء وعظيم وقعه في صدري ، كل الحب 🙏🏽♥️
حذفقد تاهت بي المسافات والعوالم التي تجول بها كلماتك فتركتني شريداً ..
ردحذفكأن تفكيري لايزال يدور في وبين سطورٍ روعتها مثل كأسٍ ينقلني من عالمي الى عالم اخر لأتوه في إبداعاته.........����بورِكَت حُروفَك..
بل بارك الله في بصيرتك ♥️
حذفطوال القراءة لم أمُل من كتابتكِ
ردحذفولو عٌدتها مراراً وتكراراً لن أمُل
أشكرك على أبداعك وأتمنى لكِ
كُل ما تستحقينه🖤🖤
أشكرك على جمالك 🌷
حذف