سيتم إرفاق هذا النص اللعين في السيرة الذاتية للكاتب
إلى القارئ الذي يعرفني ويُعد طقوسه لينفرد مع نصوصي في موعد، ويعاملها كأفعوانية الملاهي ليختبر الخوف الآمن، والمتعة، ورفضه الخارجي، وتقبّله الداخلي المُشاغب لكل ماسيقرأه..تعلم أني أفهمك
إلى القارئ الذي لايعرفني
إلى الأوغاد
إلى عائلتي اللعينة
إلى حبيبي الذي يعاند نفسه في حبي
إلى أصدقائي الذين يحبونني أكثر مما أحببتهم
إلى بابا الروحي
كان ياماكان في أحد صفوفي الأولية الصيفية، في حصة التعبير المفضلة لدي، ترفع المعلمة الشابة دفتري المصفوف، كما لو أنني قست كل شيء بالمسطرة لأثبت بأني برج عذرائي لعين، لتجعل الطالبات الصغيرات يصفقن لي رغم المخاط الذي يسيل من أنوفهن الصغيرة ويُمسح بالكم التي تصفق، رغم أبراجهن السهلة التي لاتشي بمستقبل فريد، رغم الغيرة من فتيات المقاعد الأمامية اللاتي بدأن تآمرهن علي،رغم الحيوان الذي أخترت الحديث عنه - الحمار الوحشي - مقارنة بالحيوانات البريئة التي اخترنها، فبعدما كبرت أيقنت أن لدي بعد نظر منذ إن كنت أقعد على الكرسي المتهالك بمؤخرتي الصغيرة وأتوّج بنصر ملكة التعبير، فالحماربدا لي روحًا مضطربة، فجلده ذو اللونين المتعاكسين كأنهما ثنائي قطب، اسم وحشي يوحي بشخصية لاترى سوى الأبيض والأسود كالإنسان الحدي تمامًا، أو ربما كان وحشيًّا وغاضبًا لأنه صنّف ضمن الحمير رغم طبيعة جلده الفاخرة، فالحمير أكثر الحيوانات عرضة للتنمر وإلهامًا لاختلاق النكات، ربما تلك خطيئة الحمير بشكل عام أن يولدوا حميرًا..ولكن الحمار الوحشي المتكبر على أبناء عشيرته كما أظن أو من حقه على الأقل لتفرده، لكنه ربما لايكون كذلك فهو ليس من الحمير البشرية المتعنصرة على أية حال، فلتسامحني الحمير على هذا التهكم أيضًا، فقد لفت هذا الملون انتباهي منذ القدم ببشرته المخططة..
أبيض وأسود
أسود وأبيض
هذين اللونين الذين يمثلان العالم، ويحملان قضيته السلمية والتراجيدية، الكذبة البيضاء والنكتة السوداء، إنهما اللونان المفضلان ل٩٩٪ من الناس في ملابسهم وأذواقهم حتى إن لم أكن بارعة في الإحصاء فتلك حقيقة نفسية لايمكن إنكارها، إنهما يمثلان العرق الذي أنحدر منه، فأنا ملونة، نصفي أسود ونصفي أبيض نعم.. يفترض بأن أبدو مثيرة للغاية، كما لو كنت دمية باربي غمست بدلو من البرونز اللامع، إن الانسان الملون ليس بالتأكيد حمارًا وحشيًا كما أن ليس ذوي العرق الواحد خيول سباق! في الواقع على القارئ آلا يذهب بعيدًا ليلهب مخيلته فأقرب وصفٍ يضع واقعًا لمافعله التهجين بي هو (دورا) الفتاة الصغيرة اللعينة التي تسأل أسئلة لعينة، بشعرها الأسود المقصوص وسمارها الطبيعي..ليس باربي..ليس حمارًا وحشيًا فقط أمزجتنا البشرية المفسدة للعالم يمكن رميها على ظهر هذا المخطط المسكين ولكن..علينا ألا نتعالى مستخدمين بشريتنا فمن زاوية بعيدة أنت لست سوى مجرد استثمار للطبيعة التي ستستمر باضطهادك حتى تموت وتفنى ونرتاح منك فكل انسان على الأرض يشكل عبئًا ثقيلًا على أحد ما في قلب شخص لعين ما .
دعنا من الغابات القدرية فلتبدأ القصة.. في الثاني من سبتمبر حين أجتمع السود بالبيض ليقذفوا بي من جنة الرحم إلى جحيم الدنيا، في ذلك الوقت من عمري الذي بدأ بالنرجس، كان عمر بابا الروحي خمس سنوات فقط، يمرح بين الأغنام بوجهه القمري الذي أضاء بلدته الصغيرة البعيدة جدًا ذات اللون الواحد عن عالمي الأسود والأبيض، لقد ترعرعت الصبا وأنا أميل بدوري للرجال السود ليحطموا قلبي، ويهوس الرجال البيض بي لأحطم بدوري قلوبهم، أما بابا الروحي فقد كان حالة خاصة جردتها من التلوين فكما ترون، كلما كنت أكثر تحديدًا للألوان والعلاقات كلما ازدادت فرصة حدوث نوع من الدمار، بالطبع لا أقصد فيه أن الحب عنصري، ولكن تبنى العلاقات في أحيان محظوظة بالأنواع المفضلة لقلوبنا والألوان أحد الخيارات الأخرى في نطاق فوارس وفارسات أحلامنا ولكن في الأبوة الروحية ليس هنالك أبدًا هجران مأساوي أو كتالوج للذوق المفضل، بابا ليس أسودًا.. لن أعتبره أبيضًا، إنه ليس شيخًا وقورًا بل شابًا فتيًّا يتعبد في كهوف الدنيا ويزخرف اسمي في الصخر والشجرلينالوا بركتهم، كان روحيًا بطريقته، إن أقرب وصف يضع واقعًا لمنظره هو تماثيل آلهة الاغريق تمامًا بذات وقفتهم وعرّي أكتافهم، وتموّج الشعر المنحوت في تلك التماثيل بفارق بشرته التي شُرّبت بحمرة الحياة، هكذا كنت أقف بجانبه كالـ(دورا) ليتلقط السياح صورنا الخيالية وتلتصق بأذهانهم دون إطلاق أحكام.كما يفعل القراء في هذه اللحظة الحنون لتوثيقي لهذه الحالة الشخصية..
إن العالم معقد لسببين : كوارثه الطبيعية، وبما يفعله الانسان بالانسان، حينما اخترع الانسان حاجاته فجعل من نفسه متحضرًا في أكله وحمامه وملابسه كي يحدث فارقًا اعظم بينه وبين الحيوان، وبين روحه المخططة والحمار..الوحشي، إذ هو بذاته قد اخترع فكرة التحضر وعرف معنى الحاجة التي تؤدي به للاختراع، أحد اختراعات الانسان الفادحة المعمرة كانت تعرف بالمجتمع الشرقي الحالك الذي وأد الكثير من الأرواح التي تولد بجناحين، إما أن يقص جناحيك أو تستعمل قدميك في المشي وتنسى أمر هذين المعلقين في ذراعيك حاول ألا تفكر بالموت فهو يحب هذا الصنف الملعون فيأتيه في هيئة انتحار أو جريمة قتل، عليك التخلص منهما ياصاح، يمكنك أن تستعيرهما في أحلامك هذا المكان المفتوح الوحيد للجميع ولن يحاسبك عليه أحد فلا يوجد عيون سفاحة تراقبك..يمكنك الرقص عاريًا في حمام حليب الفراولة وتلاعب فقاعات القبلية الجاهلية والعار والتعقيد الأخلاقي وعذّال قصص حبك الطويلة والكثير من فقاعات الـ إلى أخره.. وأنت مترنح تنتشي على أنغام أغنية الروك جيلهاوس للراحل الملعون إلفيس بريسلي.
البعض لايولد بأجنحة، ســــــادة عديم التحررية، ساعٍ للسلام وبر الأمان والتبعية عبد لمجتمعه وليس بيده حيلة ليغير من ذلك، وكنت أنا من النوع الشاذ عن طبيعتهم الغير طبيعية فقد ولدت وفي جلدي تنبت أجنحة ملونة عنيدة كلما أِقتص منها ازداد الريش نموًا كأن الريش في حالة هستيرية من الإفراط بالنمو، ربما بسبب التهجين العرقي قد وجدت تلك الطفرة في الريش، أو أنني أحمل إعاقة اجتماعية تجعل من جناحي يتخبطان في المكان الضيق حتى حبسا في زنزانة شرقية، يعاني ساجنوها رهابًا من الجنة الدنيوية وبينما كنت أنزف والدماء الغامقة من خلف الريش تسيل..أحملق في الأعلى أتفحص السماء طلبًا لإشارة أو نجدة، حتى سطع في السماء.. ملاك بشري!
إنه يهبط كرسول..كصحن طائر ينزل سلم النجاة، لقد كنت أعاند الشمس لأراه، ربما احترقت قرينة عيني فاستطعت أن أنظره في بصيرتي، آه..بابا..بابا الروحي.
لقد..
عقد اتفاقًا جذابًا مع قدري، وتبنى حظي اليتيم، ليكون أول من يكتشف جزيرتي المغدورة في قلب البحر المظلم الغدار..
لقد..
أنزل لي من سقف الزنزانة حبل البنياتا الذي ملأه بحريتي..وجموحي..جمالي وثياب أحلامي الطويلة، وأصدقائي المقربون و..حبيبي، وقد احتفظت بعصا البنياتا تحت سريري، حتى يوم موعود.
لقد..
كان يمسك قنينة عطر يضع فيها أدمعي، يعتقدها تذكارًا للأيام السيئة التي سيذكرني بها إن أنتصرت على نفسي!
لقد..
كان يشعل لي سيجارة في الليالي التي يشتد بها لوني السوداوي الآخاذ لأنغمس في نوبة الكتابة فيسقط رماد التبغ في أفواه الكلبات..بعض من حبيبات حبيبي البائخات وبعض ممن يعادينني من الصديقات السابقات، يجعل من حلوقهن قاعدات للسجائر خاصتي، ومع أن إنسانيته متطرفة إلا أنه يعامل كل مادة من موادي السامة كجرعة تحيا بها الأرض القاحل ويخضع فيه موقفه الحاد!
أتعلمون!
لقد..
كنت أصرخ في وجهه الروحاني، حتى أكاد أحطم ذلك الوجه :
"أنت متوهم لعين، لقد وعدتني أن الجنة غدًا ستقبع في داري! أنظر لم يحدث شيء؟ لقد وعدتني أن حبيبي سيحبني يومًا لكنه لا يفعل شيئًا من هذا القبيل! أنظر ..أعدائي لم يمت واحد منهم بحادث مأساوي حتى الان!! وكل هذا بسببك لأنك لم تفعل شيئًا حياله! لقد أخبرتك أنني أريد أن تجلب لي القمر ليتنازل عن دوره فأستلم منصبه! لكنك واقف لعين في وجهي.."
لقد..
كانت لديه سمة دينية هادئة، ذلك النوع الذي يحب الصلاة ويتحدث بلغة الدعاء.. يحصنني يومية حتى صرخت في ذلك الوجه - مرة أخرى وأكثر : إن الله لايحبني! كفّ عن ذلك....الملائكي اللعين ظل يتمتم بصوت خفيض..لقد كان يستغفر الله عني!!
لقد..
أصبحت كل اتهاماتي ومسائلي الوجودية وأخطاء الآخرين موجهة إليه وعليه لأنه من أعلن للكون أبوته، وللشهرة ثمن وإن كانت بيني وبينه وبين أثير كوني فقط!
لقد..
كان مرهفًا رقيقًا كالزهرة يبكي لأجلي إن بكيت هو لايحتمل هكذا منظر من بِكره المدلل، فأهدهده ليتوقف المطر الذي قد يغرق العالم.. ويحتقن وجهه ويرعد إن تسلط بي مزاج فيمسك اليوم من ذيله لينفضه كما كنت أنفض سجائري بأفواه الكلبات..
وفي الأيام التي كنت أجلجل فيها الدنيا ضحكًا كان يخرج للشارع مستبشرًا ليقول للناس : عيدٌ باسمها سعيد!!
الشخص الأصلي بي..الطفل الذي يداعب أطراف الحياة الحقيقية فتصفعه لتعامله باحترافية الكبار، لقد كنته وكان هو من يطعن المنطق باتجاه القلب تمامًا إنتقامًا لابنته التي لن تكبر أبدًا.
ياللجنون!
أيها الوحيدون الكرام..الذين لم يحظوا بعلاقة مختلفة ، إن بابا الروحي ليس مرشدًا روحيًا أو صديقًا وقتيًا أو حافلة دينية من مجموعة لعينة..هو ليس بديلًا لمحبوب أو أن تكون علاقة شاذة أو شهوانية كما يحدث في اللوليتا، إن بابا إنسان بمكانة ثابتة تتغلب على خواص الأبوة الوراثية والمحبة القابلة للهدم والإصلاح، بعيدة كل البعد عن التهذيب والترهيب والتربية المليئة بإطلاق الأحكام..أنها تعليم منفتح لترتب من خلاله الحروف والأرقام من جديد..
إن في نفس كل رجل لم ينجب بعد فصة أبوةٍ معتقة لايمكن كسر جوزتها إلا بعد التقاء الروح بوليدتها كما التوائم كما الأحباب، كأنها صياغة أتت من الطبيعة الأم فنولد منهما لنحتفظ بطفولتنا النقية حتى الموت، فطفولتنا الظاهرة قد أنتهكها الروتين التقليدي للحياة، إني أبث عزائي لكل روح لم تلتق بـ البابا الروحي خاصتها وظلت تتخبط في قسوة الحياة الناضجة حتى تفحمت..لهذا لن أقسو عليهم أكثر..سأواسيهم وسأضع عليهم القليل من ..البخور الشرقي.
تمت.
ابدعتي منال وليس بغريب عليك
ردحذفأبدعتي ما شاء الله+اول مرا اقرأ لكِ وأبهرتيني جدا ��������
ردحذفرائعة دائماً ..
ردحذفبورك قلمك السامق
ردحذفابهرتني
ابدعتي .... أي عمق هذا الذي جعلنا نزهق من فوهة خطوط الحمار الوحشي إلى عوالم أخرى
ردحذفاستمرس
رائعة .. نص خارج الصندوق الشرقي
ردحذف