أريد أن أطفئ جسدي وأحرر منه الروح لتطير إلى "اللاوجود" الذي لن تتدخل به الحياة بعد الآن، وأقول وداعًا..إلى الهاوية.
مرحبًا بكم في نادي المنتحرين
موقعنا الذي يقبع في الثقب الأسود البشري، علمًا بأننا لن نحتاج لمقدمة تعرّيفية فنحن لانسوّق له إنها تدوينة صغيرة فحسب، صغيرة بقدر اتساعك وضيق رحابتك، فنحن فقط نقوم باستقبال من يرن جرس الموت الذي يهز أرجاء الوجود، فالوجود هو الألم بتعريف المنتحر..فكل ماعليه هو وضع قدمه على الحافة ليخطو خطوة طفل ضل طريقه في الحياة، لنزفه لخلاصه وننهي مهمتنا بسلام!
أدعى القائدة م.ع ويلقبونني بملاك الموت، ذلك أنني ألتقط الإشارات من تلك الأعين التي لاتبشر بالخير، ثمة وجوه شهدتُ الموت في عينها كما شهدتُ الجبن، كما شهدتُ جرأة إعلان النهاية.. وأكثر ماشهدته هو الكثير من المنافقين نفسيًا الذين يتخبطون في الاكتئاب المبتسم* فقررت بعد أن منّ الله علي من خيرات تشربت قبلها الإفلاس الطويل أن أنفث في هذا العالم المترهل مشروعي الخاص وأقتص من نزعاتي الدفينة المتراكمة مايجعل الأرض تنطق كعصفور..تبتسم لطربه الشمس تارةً فالقمر، ولاتدريان بأنه ينتحر.فما أدرى زميلات الأرض عما يقاسيه الإنسان على سطحها المنكود؟
على أي حال لم أكن فضولية تجاه الموت ولا أفكر في تجربته وقد أؤجل هذا التفكير إلى ساعة الموت ذاتها، ربما أنا خالدة..كما يتمنى من يحبونني حبًا جمًا ربما هم يحلمون، في مشروعي ذا أبدو كدكتور الشعر الأصلع لأنني حتمًا سأفضل الميتة الطبيعية حسب تاريخ الصلاحية خاصتي.. في عمر مجعد أيضًا حيث يستطيع الناس من وجهي أن يحزروا جماله الماضي الذي أفسده من عاش حاضره، وأتمدد على الصوفا خاصتي أمام مدفأتي التي حطبها ذكرياتي التي لاتموت بل تعيد تدوير عمري ألف مرة للذكرى الواحدة بضحكة..بدمعة..بحسرة..ببرود، وفي كل مرة يتصاعد دخان الحقيقة الحق للذكرى تفيض الخبرة لتحرقني كما لو أن مصنعًا للذكريات بدواخلنا يزداد نشاطه كلما تقدمنا في عمر التجربة، فلم نعد نملك من الحاضر سوى الماضي، نقطف سذاجة الشباب ونشويها بالحكمة المتأخرة، نتصدق بها حينها على من هم سذج العمر ولن ينصتوا أيضًا، نفقد كل شيء بينما تزداد الذكريات ثراءًا حتى تصرخ صفارة الإنذار الأكبر عند أقصى حد ائتماني للعمر الذي نصله حيث النسيان وبخور الموت في كل غرفة ولكل انسان واحد عمر خريفي مختلف عن الآخر، يلتف أحفادي الوسيمون حول قدمي لأقرأ لهم روايات كتبتها لاستحقرها في نفسي، وأعدد لهم الرجال الذين قهرت بهم جدهم الأجعد وقد أزيد واحدًا أو اثنان من ذاكرتي الروائية الكاذبة، أنا حتمًا سأفضل الموت وأنا أتلو قصيدة لاهوتية رغم..فسقي.. .
فكيف يخفى على كل المنتحرين أن يفوتوا متعة ذلك ويزهدون به، إنني بِكر الاكتئاب الأقدم ولاجدال، وحياتي الحقيرة التي عشتها، هي اصطلاح لنوبات الاكتئاب ها أنا أتواضع! وخريطتي الفلكية تنبأ العرافات بأنني مشروع قاتل..وما أدرى العرافات..لا أستطيع قتل أحد ما فأنا أقدّر الروح في حيواتها، أرى في تعذيبها قيمة أكبر من قتلها لذا.. أنا لا أنتحر أبدًا وهذا الفضل يعود للمنتحرين الذين هم أيضًا سيفقدونك شهية أفتعال الموت، و لعلمك.. ليس الاكتئاب فقط المتهم الأعظم للتخلي عن الحياة، إذ علي الاعتراف أنني كيان اكتئابي مدمّر.. ولكن عند باب الموت أنا غزال ضئيل يخشاه.. حد الحذر ولا أبالي به بنسبة كافية في آن، علاقة غير سمية، شجاعة معتدلة، ومع كل هذه الدراما ها أنا أقف من مسرح آخر..بعودي الدقيق وشبابي الهوسي، أنفخ في آلة الفلوت ألحانًا يسمعها فقط من ينادي الموت ويستنجده، كملك الموت أقلده ولكن بدرجة أقل من الرهبة، فملك الموت لايضع أحمر الشفاه تمللًا حين يتردد أحدهم في انتحاره، ولاينظر لساعته كما أفعل حين أرتقب، إنه لن ينتظر المنتحر يعيش تجربة عزوفه عن الحياة وهو حي لن يدعه يغش لنا شعورية الموت الهالك الواقع، ونحن العامة لانريد تجربة من كاد يموت بل نتشوق لتجربة من مات منا.. إنه ملك الموت الذي يبقينا في غموض، يسرق روح المنتحر في ثوانٍ معدودة ودقائق قصيرة في بعض الحالات كي يضعها في أحدى قنينات الشراب في جيبه، نبيذ المنتحرين ياله من مشروب روحي غالٍ لايحصل عليه سوى كبار ملائكة الموت فقط، مفعم بالتعاسة والنهاية المستعجلة ويطيل من عمر ملك الموت، لهذا هو لاينتهي..الموت لاينتهي فما ألعن الطفل الذي يولد دون الأخذ برأيه في ساعة احتضار انسان آخر مات بارادته ربما كان مشروع منتحر جديد، بعودي الدقيق أقف عند حافة الموت أرقبهم وأزفر من دخان السيجارة تعويذتي البطولية، همسٌ من نافذة الحياة قبل الولوج في الآخرة، أمد يدي لهم في المرة الأولى لأنقذهم وأمد يدي في المرة الثانية ليقبلّوها.. أنني لا أعبث إطلاقًا بمصطلح الانتحار ولا أنوي عداوة تنافسية مع ملك الموت فأنا أقدر المجاملة المهنية في كل المجالات، ولكنني أغير المسار لتبلغ الحالة تجربتها المغايرة عن الموت الأكيد، فهذه العنابر التي صممت بذوق فاخر قد تدهش الموت ليتراجع، فوضعت كل قومٍ بناء على مصائبهم وأمزجة انتحاراتهم، إنهم ينتحرون بمخرج آخر لايعبر الموت التقليدي، كما ترون هو مشروع انساني وتجاري وقد يكون تجنيدًا للمنتحرين لدى فكر البعض لكنه بالتأكيد ليس جمعية خيرية..
لقد قابلت أنواع الناس الذين لايرغبون في الحياة وليتهم يعطوننا أرواحهم لنكمل بها الباقي من عمرنا نحن الذين نتعطش للحياة ولانشبع، فمازوخيتنا تحتمل العذاب بالمقابل الذي تعيش عليه من ملذات الدنيا الرهيبة، حتى الذي لانحصل عليه نظل نرجوه باستماته ونخلقه بدواخلنا تصبرًا لحدوثه، نحن أبناء الحياة البارون.. مرحى لبؤسنا!
حلمي الأول كان محققًا في السجن وبعده، لقد كانت روحي حرة حتى عندما امتلكت حريتي المكانية التي نُهبت لأن روحي قد أُسيئ فهمها، لكنني كنت حرة ربما كنت عبدةً للحب ولكنها عبادة شهية لايستهويني العصيان فيها، أما حلمي الثاني.. فهو ماجعل هذا المشروع الوجودي قائمًا بموارده لقد أصبحت أجفف جسدي الرشيق بأوراق نقدية، أما السلطة فهي ثالث أهم أحلامي التي حققتها في لعب الشطرنج البشري، فتم تنفيذها بالشكل المكثف، انظروا لتلك الوجوه التي ترمقني تصارع الامتنان والخضوع لأنني المنقذ.. إنهم أهل العنابر الأساسية التي أقدم لهم بكرمٍ بالغ خطًا طويلًا من الخدم المطقمين بالسمع والطاعة وألواحًا من الأجبان الفرنسية والشراب الفاخر.. إنهم الذين ألبستهم ونفضتهم وزينتهم و اشتريت منهم أرواحهم لتكون تحت تصرفي الانساني.. أن يصبحوا كل ما أريده، أن يفعلوا.. أن يتوسطوا، أن يخلصوا لي.. بمقابل تخليصهم من المصدر الأساسي لقرع جرس الموت، لانقاذهم من طقوس العذاب المستديمة.. ممن يدفعونهم للخلاص..ممن يعرفون أسبابهم جيدًا ولايعرفون طريقًا بجعلها تتوقف، اعتداءات المجتمع المعقد، صفع الاضطهاد المنزلي، خدوش زعزعة الأمان في المحارم، والكثير من العار والخضوعية المضارعة والسلطة الدنيوية من مدير كلب أو زوج/ة متنمر/ة، مصادر لاترحم ولاتكل من دور الشيطان.. إن هذا النوع هو أكثر المنتحرين اتكالية وجبنًا وانهزامية، إن مفتاحهم الأعظم هو الإنقاذ! إنهم لايتجرأون على القتل بدلًا من الانتحار كما لن يتجرأو على قتلي بعد تخليصهم، فقد صار نطاق التسلط مزمنًا في حالات كثيرة لن يعرفوا العيش دونها رغم ضررها، فهم فضلوا الانتحار على إيقافها.. فضلوا السلام.. ماجدوى السلام؟ إنهم ليسوا كالعنابر السفلى الأكثر ذكاءً وأسهل إقناعًا بمصالحهم أولئك الذين يقتلون بمقابل حمايتنا، من تشربوا الغضب حد النخاع وكانوا جاهزين عند أنقذناهم، أولئك الذين أبدلوا الخيارات ووضعوا النقاط على الحروف بفضلنا، فصاروا يقتلون من سرقوا الحياة من حلوقهم ووضعوها في مسلخ، أبطالي ومشاريعي الناجحة التي تقلب الصفحة لتلد من جديد.. إنهم ما أفخر به إنهم قوم منفتحون، يرفعون من شأن الذات ولايعرفون للمذلة طريق فالانتحار اختبار لهم ليس منفذًا أكيدًا هذا ما اصطدته فيهم وسيخلفونني من بعدي، إنهم الجزء الذي اختبر الموت الذي كاد يكون ليستمتعوا بالنصر حين سفك الروح السافلة، حتى أنهم أذكى من العنابر الميتة ذوي المبدأ الثابت اليائس الذين يقتلون فينتحرون، ذوو الضمير الأعمى الذي لايملك بصيرته، فتكون النهاية ثابتة مع أخذ الثأر المسبق! لقد لقناهم معروفًا في أخذ الثأر وتنفيذه طالما كانوا متحفظين بفصل النهاية.. على الأقل جعلناهم يقتلون معهم أرواحًا شريرة لن تدفع غيرهم لشهوة الانتحار! أراحهم الرب وأراح ضميرهم الذي لم يمت معهم..
أما العنابر الذهبية هم أهل الفقر والإلحاد والتدين المنتكس، أهل الماضي المُغتصب والحق الضائع، أهل القبح الذي يعتقدونه في مناظرهم، تلك الهموم التي ليس من السهل حلها، المنفيون، المسخوط عليهم الذين حرقت أفئدتهم بالفراق، وطعن الحب وموت الأمهات وفلذات الأكبدة، أبناء العقد النفسية التي تبصق في وجهها أقراص الدواء ولن يشفوا أبدًا..أبناء العذاب الجسدي الذي أدمنه المرض، هؤلاء الذين لم تعد حكمة ما تطمئنهم، وانتهت كل الاسباب المنطقية لقبول تلك الأفعال القدرية، لقد هيئنا لهم الجنة، جعلناهم يصدقون القصة، جعلناهم يرون شريط حياة انتحارهم البريء وهاقد باتوا ملائكة، إنهم يعيشون في عنابر ذهبية ضخمة لايوجد فيها شرير واحد، لقد غسلنا عقولهم المتحسرة ليعيشوا كذبة بيضاء تشبه قلوبهم، جلبنا حبيبًا يظنونه حبيبهم، جلبنا كلابهم الوفية التي دفنوها خلف حديقة المنزل، أحدهم يدعى أدولفو، أي أدولفو الذكي الذي فهم اللعبة، لم يكن مستنكرًا بل لعوبًا يستطيع أن يجعلك تظنه حبيبك كما يفعل الأوغاد الذين لاينتحرون.
أما العنابر العليا، وهم المثلجة قلوبهم الذين لم يحصلوا على عذرٍ مقنع للانتحار.. فكانوا ضيوفنا للعصف الذهني الباذخ لتطوير الانتحار.. فقدمنا نموذجًا للنشاطات تطرح الكثير من ملاعق الحياة الغير مستعملة ومنها :
التمرد على نفوسهم، فلو كان مرتبًا نموذجيًا تقيًا وأبا مثاليًا لنعبث بعقله ليتجرع الفوضى، سيرتدي شورتًا ضيقًا أحمر من الجلد ليذهب لكنيسته، لندعه يشتري أغلى نبيذ آجل شراءه حتى حين ترقيته ليسكبه في ثغر فاجر..فلو كان شابًا كاملًا بوسامة محسودة، وبدلة أنيقة و١٠ حبيبات من الشقر اللاتي يرتمين عند قدميه فقط الشقر، لاسمراء ولا بيضاء ولا رأس بشعر أحمر، بطول واحد كأنهن جميعًا دمى خرجت من علبهن الوردية، وسيارة آخر موديل، مكرر من نوعها ١٠ سيارات أخر باللون الرمادي الباهت، تلك الاشياء الثمينة البشعة التي تتساءل لم قد يدفع الاثرياءًعليها بدم بارد،ولم يفهم أحد بعد أ ن تلك دلالة على اقتراب انتحاره، لنغمره بالقيود.. بامرأة واحدة وسيارة واحدة وخاتم خطوبة، نحن لانعرف فبالتجربة تظهر النتيجة! إن أغلب الناس من هذه الحالات ليسوا ممن ليس لديهم أسبابٌ ينتحرون من أجلها.. إنهم فقط لايفهمون تلك الأسباب.وهذا أنسب سبب لإنهاء الروح لأنها.. لاتفهم..وفي أحيانا أخرى يصبح الانتحار لعبة أو وراثة مصاحبة للون عينه من جده الملعون الميت السابع.. لقد صادفت من يغسلون عقولهم بأيديهم، من خلال فكرة خارقة القوى لتسلب الروح دون القبض عليها.. لدى كل منا فكرة خارقة القوى كتلك لكنها كالبثور في الوجه لاتظهر على السطح إلا لمن لديه حساسية من الحياة..
لقد قدمنا لهم خطابًا موجهًا لأفكار لطالما تمنينا وجود بشر احتياطين لتنفيذها، ولانعني فيه بتجارة البشر وحاشا وكلا.. بل بشرًا كجنس آخر منا، لقد سئمنا القردة.. فالمنتحر المبهم لايملك قصة تدعم غيابه، إما أن يملك الفراغ العقلي أو يعبد الفلسفة، فبوجوده بديلًا للجنس البشري الاخر الغير موجود سلفًا سنفرض عليه تجربة، نستثمره برضاه، نجري عليه أبحاثنا، نضعه في مختبراتنا، نقيس عليه مالم نستطع قياسه علينا.. إن كان ينوي الانتحار المبهم فهو ليس شخصية أنانية البتة، فلا بكاء من يحبونه سبب مقنع للبقاء على قيد الحياة، كما لم يجد سببًا جيدًا نفهمه للموت، فلو كان هلاكه سلميًا سيسعف غيره، ربما سيكون بطلًا عن غير قصد، فهناك أيضًا من يعرف سببًا للعيش وينتظر قلبًا أو كليةً صالحة في أقرب وقت.. سندعه يجد سببًا إما للموت أو للحياة، إنه التطفل الذي يحلم به الإنسان الذي لم نصادفه بعد.. سندعه يجرب الحشيشة، المهبطات والروحانيات الأفعوانيات، الانفلاتة.. فكل من يود الانتحار هو طليق تحرر من كل القيود دفعة واحدة،هو محظوظ أكثر منا لأن باستطاعته فعل كل شيء، فهو مستغنٍ عن الروح، بإمكانه إنهاء أي لعبة لم تعجبه، بإمكانه فعل المستحيل.. هذا هو الجزء الممتع في العنابر العليا، إنها لاتهتم بحقوقها الانسانية بعد الآن، فهي ستجوب الحياة بسهولة لتختبر ما لن نختبره في الاحيان العادية..
وعندما أنت الذي تنوي أن تزورنا.. فأوصيك بألاتنظر للأعلى فتلك الحبال المعلقة في النادي هي شراشف من انتحروا بعد فوات الاوان.
محبتي..
*الاكتئاب المبتسم: وهو حالة يبدو خلالها الشخص سعيدا بينما يعاني في الحقيقة من أعراض اكتئاب داخلية ينجح في اخفاءها.
- إني ممتن لكل قارئ يجعلني أعبث برأسه.
تتلاعبين بعصى الحروف السحرية على طاولة بلياردو خضراء روائية
ردحذفيامنال ليس قريباً .. بل الان والدليل ان هذا النص هو الكرة الثامنة .
مؤمن بكِ .. للأمام .
مبدعة دوماً ومتألقة ..
ردحذفمشعل