"Walking out of time
Lookin for a better place
something's on my mind
Always in my head space"
إستمع عند القراءة لـ lovely billie eilish
أحب تلك الأغنية، أتمتم بها كثيرًا، المكان هنا بات يعرفها. يضبط كاميرته باتجاه مقعدي بينما أستغرق وقتًا في التمعن في عضلاته، بوڤ بوڤ تكاد أن تنفجر. يقول الناس لي دومًا إنهم يحبون نظراتي الطويلة نحو أجزاء عشوائية منهم، ذلك يحرجهم بادئ الأمر ثم يحبونه ويعتادونه حين يتيقنون بأنني في حالة سكر معنوي.. ربما هي حالة مس أو سرحان عميق وأن الأمر لا يتعلق بهم بل بإسناد عيني عليهم لأتكئ لحظة. هو منتشٍ بنظري المطوّل لكنه يظن بأني أستجمع وقتًا في ترتيب كلامي، مع علمه المسبق بأنني إنسان شديد السرح وفطري، أتحدث وأكتب وأشعر وأفتعل كل شيء من خلال فطرتي.. أي تلقائيتي العميقة، أي حين يستمر الآخرون بقول: "أي منال الصغيرة"..
يبتسم حتى يفرج عن فمه الأسمر:
- مستعدة؟
أومأ برأسي ثم يبدأ بتشغيلها. إلا أنني بعد لحظة صمت أنطق اسمه دون أن أختار استخدام حروفه العربية؛ لأنني كلما فعلت تذكرت مسلسلي القديم المفضل Lost حين أنجبت الأم في وسط الجزيرة المجنونة الطفل المختار والذي قررت تسميته بـ:
- Aaron!
يطبق على أسنانه المصفوفة ويهمس بحدة:
- هاااش! ل ق د بدأنا التصويييير!
تخرج ضحكة مكتومة مني. المسلسلات والأفلام يعيشون بداخلي ويلطخون خارجي، في الواقع لقد تربيت على أيديهم، ولازال الأمر محض استفهام لدي كلما وجدت محبي السينما ينتشرون كالنمل في كل مكان، لكنك لا ترى في نفوسهم أي تهذيب فني.. كأنهم قد قضوا الوقت فقط في إضاعته.. كيف يفعلون ذلك؟ كيف لا تؤثر الدراما والرومانسية والمعاني المتحررة من تعقيداتهم الساذجة على نفوسهم أو حياتهم وملابسهم؟ أنا لا أعرف لماذا يقتصر الناس على دور واحد فقط دون الشروع في دوامة الأدوار؟ يالَملل!
يلوح بيديه الغامقتين تجاه الكاميرا، بذات حركة الضغط على أسنانه:
- هل يمكنك أن تنفصلي عن عالمكِ قليلًا لنعود إلى هنا؟
ببلاهة أضحك. هل علي أن أفعل ذلك حقًا؟ أن أجعل شخصًا ما قابعًا في خريطته بلندن، أن يسجل مقابلة بأطواري لأنشرها للعلن الذي في خريطتي أنا! عندما أقرر افتضاح أمري، وكشف ستري، وأن أكون ورقة ممددة بأيديهم لينهشوا اسمي؟ يستحق الأمر غالبًا، إنه ليس خطرًا.. إنه مجرد فصل من الأفكار المتشعبة، على الأقل في هذا الشريط الذي حتمًا سأنشره يومًا.. إنه لا شيء، فقط توقيع مني، قبل أن أتدرب على توقيع مميز حين أصدر ذلك الكتاب السميك، ليروني على حقيقتي، أو ربما لأراني يومًا على حقيقتي حين أستيقظ يومًا على حقيقة أخرى، ليراني من يعيش حقيقتي.. ومن يواجهها، لتروني على حقيقتي أنتم الذين مهما عارضتموها ستفضلون التمتع بالنظر لنهجي بالحياة؛ لأنكم تعلمون أن التعارض لا يجدي نفعًا، لا أعرف لماذا يشعر الناس بثقة عظيمة عند معارضة بعضهم، كمثل الثقة اللعينة التي تجعلني أضع هذا العنوان للنص، والفارق هنا أنني لا أبالي بمن أعارضهم. إنني فقط أطرح الهراء خاصتي، ولا يغضبني من يعادي هرائي لأنه يستطيع أن يجعل شخصًا قد لا أعني له أن يدافع عني. إنه ليس بالأمر الجلل.. إنه مجرد فصل أي خصلة واحدة من شعري، خصلة من شعري المقصوص الذي اعتاد أن يكون جامحًا في التعريف عن نفسه، بينما بقيت عيناي في محلهما، حادتين وثقيلتين، هادئتين وثاقبتين..
Aaron ذو النمط الرائج عن الصورة ممزوجة الثقافات، أكثر مالفت انتباهي فيه أنه يتحدث اللكنة البريطانية التي أظنني وحدي في العالم من يمقتها، إذ بها من الجمود الشعوري ما يكفي لأغلق أذنيَّ عنها، فالحس الفكاهي وتلك اللكنة المتكلفة لا يجتمعان أبدًا.ولكن بسبب سطوته وكاريزماته بدا وكأنه لايتحدثها بالرغم من أنه يتحدث بها! أو ربما بسبب جهلي الكلي عن أنواع اللهجات البريطانية. ولأنني لا أسأل عما أريد السؤال عنه بل أصطدم باسئلة تخرج من فمي.. يحدث ذلك أيضًا مع حبيبي والناس الذين أهتم لأمرهم. بالعودة لـ Aaron داكن البشرة، الذي يبلغ طوله ١٨٠ سم، ويملك لغة وجه مشاكسة كما لو أنني الفتاة ذات الرداء الأحمر والذئب على هذا السطح المكشوف الفارغ الذي صعدناه في ليلة كان العالم ينتظر ميلاد السنة الجديدة. كنا قد قررنا مشاهدة الاحتفال من أعلى البناية كل شيء كان مضاعفًا وقريبًا رغم بعده.. الأصوات ممسكة بيد الأضواء وهي تتقافز أمامنا.. الترقب الذي يومض في عيني تجاه أحلامي التي ستحدث عاجلًا آجلًا، تبسّم Aaron للاحتفال الفريد الذي يتدفق من عيني، كان سعيدًا للغاية بمعرفته ذات اليوم الواحد فقط لي، يستطيع أي بشري أن يحبني بعشرة مدتها يوم واحد أو ساعة أو لحظة كما فعل حبيبي.. والناس وAaron .. دون أن أحتاج فعل شيء، لا أعرف لماذا يعتقد الناس أنه يمكننا أن نمهل بعض الوقت لنحدد الأشخاص في حياتنا؟.. من السهل تحديد ذلك، منذ اللحظة الأولى (صديق، بعيد بعييييد، غريب، حبيب حتمًا حبيب، عابر سبيل، عدو) ربما يحبونني سريعًا؛ لأنني لا أترك لهم الوقت ليفكروا بمساحاتهم! أو ربما لأني اعتدت على هذا الدور.. أن أحّب سريعًا. أما Aaron كان بإمكانه أن يعوي صخبًا لأنه ذئب برّي تلك طبيعته الواضحة، ولكنه ذئب داكن آمن، علمت ذلك منذ أول مرة قلت له فيها بغرور معتاد أنني أكره الرجال الأغبياء في الحب، وفي الصداقة، وفي العلاقات التي لا تقبل التسمية، ومنذ ذلك الحين هو ذئب تلمع عينيه كلما نظر لوجهي العاري من العادية، محاولًا أن يكون مطيعًا كي لا تقطع الفتاة ذات الرداء الأحمر بطنه المقسّم وتخرج من أحشائه ثقتها به. يعيدني للسطح الذي نقعد فيه قائلًا:
- هل تريدين أن تضفي هذا النمط الصامت بك لمتابعيك؟ إنه يحدث بشكل متكرر، أجده مناسبًا لأيقونتك.. أن تكوني على حقيقتك.. أعني.. تسرحين بعد كل كلمة تفجرينها في وجوه أ..
أقاطعه بذات الطريقة الهامسة الضاغطة للأسنان التي فعلها قبل قليل:
- Aaron!! لقد بدأنا بالفعل!!
يصفع جبينه الواسع بكف يده كما لو أنه يقول لا فائدة ولكن بشكل راضٍ وبهيج!
يتنحنح:
- لنبدأ من المنتصف كما قررتِ أن يكون.. لنبدأ بفصل طرق الحياة قبل فصل الولادة، ما هي الحياة الحقيقية بالنسبة إليكِ، منال؟
ألاعب خصلات شعري الزرقاء في الجزء الأمامي من شعري بإصبعي وألفها حوله رغم قصرها وتموجها الطفيف، وأبتسم لنطقه اسمي الناعم الذي تمرن على نطقه بذات اللكنة التي أتحدث بها، يحب أن يبدو كما لو أنه واحد منا مع يقيني الشديد أنه لن يحب ذلك لو كان واحدًا منا.. نحن الذين قد كبحت جماحنا سنينًا طوال، ثم أنطق بتلك الحروف التي تخرج من روحي وأعددها بأصابعي النحيلة والتي ربما كان سبب رشاقتها هي الكتابة أو عادتي في لف شعري حول إصبعي:
- حسنًا، إنها كما ذكرت في جميع مقالاتي السابقة وبشكل متعمد ومترامٍ في السطور! إن الحياة الحقيقية هي عائلتي الصغيرة التي أريد تكوينها، حيث يكون الأب مالًا ملعونًا والأم حرية قصوى، ابنهما الحب وأنا سأكون المتعة.
يحاول أن يكون رسميًا، ويغيّر من أنماطه بالرغم من أننا اتفقنا أن نكون عفويين تمامًا، لكن هذه أيضًا ضمن عفويته وحقيقته.. أن يحاول أن يكون مخادعًا في إطلالته علمت ذلك حين كشفت له عن سر في نفسه وصدم حينها، أحيانًا أشعر بأن الرجال داكني البشرة يتصفون بثلاث صفات رئيسية رغم اختلاف التفاصيل وهي (الجرأة الظاهرية "الفطرية"، الخجل الداخلي، التصرف كأطفال كبار ليس فقط لأنهم يتأخرون في أن يبدو أكبر سنًا، بل لأن العالم يتعامل معهم كأطفال كبار، أي أجسام مضخمة وعقول صغيرة، فتجدهم بشكل لاواعي يتصرفون برجولة طفولية، وعاطفة طفولية، فعقولهم هي رجولتهم، عندما يغضب سيستخدم يديه غالبًا، عندما يحب يتصرف بجلافة ودلال مربكين كالطفل المشاغب المدلل تماما مقارنة برجل أبيض، إذ إنه لا يحمل همًا في أن يبدو بصورة بريئة ونقية مادام ظاهره يتكفل بذلك)، ولا أعني انعدامها في الألوان الأخرى إلا أنها بالمقارن، فهي بمستوى جمعي أعلى، وليس هذا بناء على التجربة بل على الحدس والملاحظة والكثير من الهراء النفسي، أي قد يكون الأمر متعلقًا في ذهني فقط، ومن هنا يتشكل لنا الكثير عن أنواعنا المفضلة من الأشخاص والأشياء، لذلك اخترت Aaron لخوض هذه التجربة الشخصية لي، إذ يمكنه أن يكون ذكيًّا وخدومًا وصبورًا ومنفتحًا ووسيمًا، ولكن بصورة تفضلها عيني وليس بالضرورة أن أريدها، لهذا أتساءل: لماذا ينزعج الناس من الحكم على المظاهر بشكل كلي؟ إن كان هنالك جزءًا عميقًا في جانب كل شيء سطحي! أنا لا أعرف لماذا يفعلون ذلك.
يسأل Aaron باحترام وكأنه يتحول لرجل محترم أبيض فجأة بالرغم من أنه فاسد وعميق للغاية ولكنه يريد أن يأخذ كراسي السائلين من خلف الشاشة يومًا:
- لماذا ذكرتِ المال؟ ألا يستطيع الفقراء ومحدودي الدخل أن يعيشوا كل ما ذكرته؟ ألا ترين أن هذا الجزء سطحي بعض الشيء عزيزتي؟
لو كنت تعلم ياAaron سبب اختياري لك في هذا الدور، لكنت شعرت بالولاء لسطحيتي تلك، أبتسم لادعائه كقطة أليفة تخفي مخالبها ولا يبصرها سواه:
- يمكن للجميع أن يستشعر كل شيء ويعيشه، ولكنهم سيكونون مرهقين في كل مرة يريدون المزيد منه، لقد وجدت الكثير من الناس الأثرياء الذين يعيشون حياة مملة للغاية، والكثير من الفقراء الذين يشعرونك باليأس لمجرد النظر إليهم. إن الأمر متعلق بتوجه المال مهما بلغ ثراؤك أو فقرك. عليك أن تعيش متجردًا كي تحظى بتلك السعادة التي ستعيش لأجلها وبها ولن تود الموت بدونها.. إنها المتعة يا صديقي! إن الناس يغفلون تمامًا عن المتعة!!
يضحك مائعًا:
- أريهم الوشم!
أدور بالكرسي لأظهر رقبتي من الخلف للكاميرا، لقد أخفيت اسم حبيبي بلصقة جروح وأظهرت الجزء الآخر من الوشم "المتعة".
يرد مبتسمًا ولا أعرف لماذا؟ أظنه قد أنس من كلمة المتعة وشعر بالانتماء لها، أو أني بدوت لوهلة طفلة أصغر سنًا تغيظ الكاميرا، أو لأنه يتفهم تمامًا الفرق بيني وبين من يضعون وشم القلب والفراشة:
- وهل وجدتِ عائلتكِ؟ هل تعيشين متعتكِ؟ ماذا عن الحب؟ - يهمس بمبالغة سينمائية وقد تعلم ذلك مني - هل وجدته؟
أرد بثقة تكابد الحسرة متجاهلة ظرافته:
- أنا كل المتعة وأنا من سيخلق أجيالًا من المتعة، لكنني أسعى لتطويرها لتصبح فنًا في العيش -أصمت وأنظر لانعكاسي على نافذة العليَة المقابلة لمقعدي.. ظلال عين جريئة، شعر قصير، شورت وقبعة مجنونة، أتنهد كم هو ممتع النظر إلي ثم أكمل مقالتي- وجدت الحب وفقدته، ثم وجدته وقد..أفقده، ولكني أؤمن بأنني سأجد الحب الحقيقي الذي أريده.. يومًا ما وفي ساعة ما لا أتوقعها أبدًا.
يخابثني:
- ولم قد تفقدينه بعد أن وجدتِه؟
أرد بكسرة قلب:
- لأن من المؤلم أن يحبك أحدهم بطريقة أقل مما تستحق.
يرد بتهور خارج عن الكلمات المتفق عليها:
- ومن قد لا يحبك بطريقة أقل مما تستحقينها؟
أرد بكسرة قلب تعيد نفسها مرة أخرى:
- من يجرؤ على معاندة القدر.. كلما وقفت أمامه نظر للخلف، لماضيه وجبنه، وضعفه، ومنطقة أمانه.. وإن لففت وجهه نحوي كانت عيناه متشبثتان خلف رأسه.
يحاول طرد استيائه:
- لن أشتم رجلًا تحبينه (يشتم في سره) كما تعلمين الرجال داكني البشرة موجودون في كل مكان، ولن يتقاعس أحد منهم في جعل واحدة مثلك -يتفحصني بإدمان- ملكته، حسنًا ماذا عن حريتك؟
أبتسم بحلم متجاهلة مغازلاته كالعادة:
- إن حريتي تشبه عروسًا بطيئة تزّف على البساط الأحمر وستجوب العالم كله بحدوده وتجرده، وسيستشعر العالم بأسره طرحتها البيضاء الباردة وهي تهبط فوق رؤوسهم الناظرة وتنعشهم.
محاولًا رد هجمة استيائه الرجولي ماسحًا يده الغليظة على ذقنه المشعر، أن يكون أحدهم متحررًا لا يعني أن قلبه خالٍ من التحدي والمنافسة:
- حسنًا، ما هي الحرية؟ هل هي التي لدي؟
أرد على سؤاله الجارح بابتسامة تسحر الأنس والجن إن كانوا يحضرون:
- لم أجد قط في حياتي من يعيش الحياة التي أريدها، وهذا مفزع ومريح في آن، ولكنني أؤمن أنه لابد هناك من قد يتنفسها الآن.
يعارضني مقاومًا الجاذبية التي أفرزها دومًا بالهواء في أي مكان أوجد به في العالم.. بالرغم من أننا اتفقنا أن يكتفي بأسئلتنا التي كتبناها معًا حين كنا عقلانيين تمامًا ولكنه كمن يدافع عن قيمة حريته:
- ألا يقولون إن الحرية هي أن تعيش حياتك على طريقتك الخاصة؟
أصمت قليلًا، أشعر بالراحة إن وجدت أن الأمل غير مفقود حين تجد ذائقتك البشرية موزعة في العالم، حيث الطفولة المعينة في عقلك تتجلى في أعينٍ وجفون صفقت باب الطفولة وتظن بأنها خرجت منه.. ليس بالضرورة أن يحظى بها فقط من تحبه، إذ إن من الهلع أن تجد أن كل شيء تحبه في شخص ما، لا يوجد في غيره.. شعر بالحرج لصمتي وهذا طفولي أيضًا.. أما الناس الآخرون لماذا يعتقدون أننا سنحترمهم إن تحلوا بالرقي الزائد والأخلاق المثالية، لماذا يريدون أن يتصرفوا كبالغين؟ لا أعرف لماذا يفعل الناس ذلك!!
يتبع.. .
تعليقات
إرسال تعليق